فصل: مسألة باع سلعة بعشرين دينارا وأعطاه بها كفيلا وكتب أيهما شاء أخذ بحقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة كان له ذكر حق على رجل إلى أجل فأخذ منه به حميل:

وسئل عمن كان له ذكر حق على رجل إلى أجل، فأخذ منه به حميلا، فلما حل الأجل، أخر غريمه بحقه عليه سنة مستقبلة فقال الحميل لصاحب الحق: قد انفسخت حمالتي، أخرته عن الأجل الذي تحملت لك إليه، أيفسخ ذلك الحمالة؟ فقال: لا والله الحمالة عليه كما هي، من تحمل له، لم يقدر أن ينظر غريمه، قيل له: يقول له الحميل: أنت أهلكت حقك، وأنظرته سنة حتى أفلس، وذهب ما في يديه، فقال: من تحمل له لم يستطع أن ينظر غريمه عليه الحمالة لو شاء هو قام عليه.
قال محمد بن رشد: هذه المسألة أصلها في المدونة ووقعت ها هنا. وفي رسم أوله عبد ابتاعه من سماع يحيى بعد هذا، وفي ظواهر ألفاظها في المواضع المذكورة اختلاف.
وتحصيل القول فيها: إن المطلوب إذا أخره الطالب، فلا يخلو من أن يكون مليا أو معدما، فإن كان معدما، لم يكن للكفيل في ذلك كلام، ولزمته الحمالة قولا واحدا، وهو نص قول غير ابن القاسم في المدونة. وإن كان مليا فلا يخلو الأمر من ثلاثة أوجه: أحدها أن يعلم بذلك فينكر، والثاني أن يعلم بذلك فيسكت، والثالث ألا يعلم بذلك حتى يحل الأجل الذي أنظره إليه، فأما إن علم بذلك فأنكر، فلا تلزمه الكفالة. ويقال للطالب: إن أحببت أن تمضي التأخير على ألا كفالة لك على الكفيل، وإلا فاحلف أنك ما أخرته إلا أن يبقى الكفيل على كفالته، فإن حلف لم يلزمه التأخير، وإن نكل عن اليمين لزمه التأخير، والكفالة ساقطة على كل حال. هذا مذهب ابن القاسم في المدونة. وإن كان سكت فيها عن اليمين. وقد قيل: إن الحمالة ساقطة بكل حال، وهو قول الغير في المدونة. وقيل: إنها لازمة بكل حال. ففي هذا الموضع على ما بيناه ثلاثة أقوال. وأما إذا علم بذلك حتى حل الأجل، فسكت، فالحمالة لازمة له. قاله في المدونة. وهو ظاهر قوله في هذه الرواية، وفي سماع يحيى بعد هذا. ويدخل في هذا الاختلاف المعلوم في السكوت، هل هو كالإقرار أم لا؟ وأما إن لم يعلم بذلك حتى حل الأجل، فيحلف صاحب الحق ما أخره ليبرأ الحميل من حمالته، وتلزمه الحمالة، فإن نكل عن اليمين سقطت الحمالة. وهذا كله في التأخير الكثير، وأما التأخير اليسير، فلا حجة فيه للكفيل، وأما تأخير الكفيل فإنه تأخير عن الذي عليه الأصل، إلا أن يحلف أنه لم يرد تأخير الذي عليه الأصل، فإن نكل عن اليمين لزمه التأخير. هذا كله في المدونة وبالله التوفيق. اللهم لطفك.

.مسألة باع سلعة بعشرين دينارا وأعطاه بها كفيلا وكتب أيهما شاء أخذ بحقه:

من سماع عيسى بن دينار من ابن القاسم من كتاب نقدها نقدها قال عيسى: سألت ابن القاسم عن رجل باع سلعة بعشرين دينارا، وأعطاه بها كفيلا، وكتب أيهما شاء أخذ بحقه، ثم إن صاحب الحق أمر الكفيل بقبض الكفيل ذلك الحق، فقبضه ثم زعم أنه ضاع، قال: إن كان شرط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه، فهو والبيع سواء، فإن كان ذلك منه على وجه الوكالة، يقول: اشهدوا أني قد وكلته بما عليه يأخذه، فهو في الحمالة يبرأ وفي البيع يبرأ من نصف الحق؛ لأن المبتاع يقول: لا أدفع إليك ما يصيبني لأني أخاف أن تأكله وتفسده، فأتبع به، فإذا دفع إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق فقد برئ، وإن كان قال على غير وكالة: خذ لي حقي على وجه التقاضي، لم يقل على وجه الوكالة، فهما ضامنان جميعا.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة مشكلة، لإجمالها ونقصان بعض وجوهها، فلابد من بيان ما أجمله فيها، وإتمام ما نقصه منها. فقوله فيها: إن كان اشترط أيهما شاء أخذ بحقه أخذه، فهو والبيع سواء. معناه: أن الشرط في ذلك عامل، يكون له أن يأخذ بها الغريم المبتاع، فيستويان في وجوب الغرم على كل من طلب منهما، وإن افترقا في حكم الرجوع؛ لأن الكفيل يرجع بما أدى؛ لأنه أدى عن غيره، والمتابع لا يرجع بشيء لأنه أدى عن نفسه، وإعمال الشرط هو المشهور المعلوم من مذهب ابن القاسم، وقد روي عنه أنه لا يجوز إلا في القبيح المطالبة. أو ذي السلطان وقد تؤول عليه أنه إنما أعمل الشرط على عمومه من غير استثناء، إذا كانت الحمالة في أصل البيع، وبالاستثناء إذا كانت الحمالة بعد عقد البيع والأظهر أن ذلك اختلاف من قوله، وابن كنانة وابن الماجشون وأشهب لا يعملون الشروط بحال. فيتحصل في المسألة أربعة أقوال: إعمال الشرط، وإبطاله، والفرق بين أن تكون الحمالة في أصل البيع وبعده، والفرق بين أن يكون الغريم ممن يتعذر الاقتضاء منه أو لا يتعذر، فإن كان ذلك منه على وجه الكفالة فهو في الحمالة يبرأ، يريد: يبرأ من الجميع، وهو صحيح؛ لأنه وكيل للطالب، فهو مصدق على ما يدعي من التلف مع يمينه إن اتهم كالمودع، وإذا صدق فيما يدعي من التلف، كانت المصيبة من الطالب، فيبرأ المطلوب وسقطت الكفالة. وهذا إذا كانت له بينة على معاينة الدفع، فلا يبرأ بتصديق القابض إذا ادعى التلف. ولا اختلاف في هذا إلا أن يدخل فيه الاختلاف بالمعنى من مسألة اللؤلؤ من كتاب الوكالة من المدونة، وإنما اختلف إذا عدم الدفع هل له أن يرجع على القابض أم لا؟ فقال مطرف.: يرجع عليه لأنه فرط في دفع ذلك إلى الذي وكله حتى تلف. وقال ابن الماجشون: لا يرجع عليه حتى يتبين منه تفريط، وهذا إذا قامت على الوكالة بينة، وأقر بها الموكل. وأما إن ادعاها الوكيل، فقيل: القول قوله، وقيل القول قول الوكيل. وقوله في البيع: يبرأ من نصف الحق؛ لأن المبتاع يقول: لا أدفع إليه ما يصيبني، لأني أخاف أن يأكله أو يفسده، فاتبع به، فإذا دفعه إليه على وجه الوكالة من صاحب الحق، فقد برئ، إشارة منه إلى مسألة لم يتقدم لها ذكر، وهو أن يبيع الرجل السلعة من رجلين، على أن واحدا منهما حميل بما على صاحبه، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، ولذلك قال: إنه إذا قبض لعدمها الحق كله من صاحبه وعلى سبيل الوكالة من الطالب البائع، يبرأ الدافع إليه من نصف الحق، وهو ما ينوبه منه في خاصته من أصل الدين؛ لأنه دفع إلى وكيل الطالب فيبرأ بدفعه إليه، وإن ادعى تلفه إذا كانت له بينة على معاينة دفعه إليه، على ما بيناه. يريد: ويرجع عليه بالنصف الثاني؛ لأنه أداه عنه بالحمالة إلى الطالب إذا دفعه إليه. وهو وكيل: فصدق فيما ادعاه من تلفه، وكانت مصيبته من الموكل الطالب. وقوله: وإن كان قال على غير وكالة، أخذ لي حقي على وجه الوكالة، فهما ضامنان جميعا، معناه: يضمن كل واحد منهما لصاحبه، فيرجع الطالب على الدافع، ويرجع الدافع على القابض، وإن أراد الطالب أن يرجع على القابض، وترك الدافع كان ذلك له. وإن أراد أن يأخذ من كل واحد منهما ما له عليه، وهو نصف الحق، كان ذلك له؛ لأن كل واحد منهما حميل بصاحبه، وله أن يأخذ من شاء منهما بجميع حقه، فإن رجع على القابض لم يكن أن يرجع على أحد، وإن رجع عليهما جميعا رجع الدافع على القابض بما رجع به عليه، وإن كان قبض أحدهما على وجه الرسالة من الدافع، والمصيبة منه بعد يمين القابض على ما ادعاه من التلف، ويبقى الحق عليهما على ما كان قبل.
فقف على افتراق هذه الوجوه الثلاثة وهي: أن يقبض أحدهما الحق كله على وجه الوكالة من الطالب، أو على وجه الرسالة من الدافع أو على وجه الضمان. وبالله التوفيق.

.مسألة ضمن عليه طعاما فأتى الحميل إلى الغريم فقال له قد لزمت بما ضمنت:

وعمن ضمن على رجل طعاما فيلزمه به، فأتى الحميل إلى الغريم، فقال له: قد لزمت بما ضمنت عنك، فأعطى دنانير، وقال: ابتع لي بها طعاما، واقضه ووكله، فقال: عندي طعام، أنا أبيعكه، آخذ لك من غلامي وهو يبيع في الساحل، فبعث إلى غلامه فكيل له. قال ابن القاسم: لا يحل حتى يستوفيه الضمين؛ لأنه الموكل، ويصير في ضمان الغريم، ثم يوفيه إياه. وأحب إلي أن لو وكل الغريم غيره يستوفيه منه، ولعل هذا بحوز، وما بحوز إلا رصها.
قال محمد بن رشد: المعنى في هذه المسألة، أن الطعام الذي ضمن من بيع لا من قرض؛ لأن الطعام القرض، لا يجوز أن يقضي مما ابتيع قبل أن يستوفي وأن الطعام للعبد لا لسيده الضمين، فهو مبتاعه منه للذي تحمل عنه، يدل على ذلك قوله: آخذ ذلك من غلامي؛ لأن المعنى في ذلك، أشتريه لك منه، فلا فرق على أصل مذهب مالك في أن العبد يملك بين أن يشترى له الطعام من عبد، أو من أجنبي، فلا يحل كما قال، أن يقضيه حتى يستوفيه من غلامه بالكيل، فيصير في ضمان الغريم؛ لأنه وكيل له على ابتياعه له، وقضائه عنه. فيده في ذلك كيده. وقوله في أول المسألة: عندي طعام أنا أبيعكه، بحوز في الكلام نسب طعام عبده إلى نفسه، لعلمه أنه لا يخالفه في ابتياعه منه. وأنه يملك انتزاعه منه إن شاء. واستحب أن يوكل الغريم غيره، مراعاة لقول من يقول: إن العبد لا يملك، وأن الطعام للسيد، فكأن الغريم اشتراه منه، فلا يجوز أن يقضيه حتى يستوفيه منه بالكيل، ولو كان الطعام للضامن على ما وقع في سماع أبي زيد، فاشتراه منه المضمون بدنانير فدفعها إليه، لما حل للضامن أن يقضيه عنه، حتى يكتاله له، فيصير في ضمانه. قال: ذلك له في سماع أبي زيد، وضعفه. ومعناه: بعد أن يوكله بعد اكتياله له من نفسه، واختار أن يوكل غيره، وفي جواز قضائه عنه بعد كيله له بتوكيله إياه على ذلك، اختلاف، أجاز ذلك في السلم الثاني في المسألة التي قال فيها: كله لي في غرائرك، أو في ناحية بيتك، ومنع من ذلك في كتاب السلم الثالث، فقال: لا يجوز أن يوكل الذي عَلَيْهِ السَّلَامُ بقبضه. قال بعض شيوخ القرويين: وإنما يجوز أن بيعه بقبضه على القول بجواز ذلك إذا قامت بينة على اكتياله، ولا يصدق في ذلك إن كان الضمان يرتفع عنه إذا هلك في الوجهين جميعا. وليس قوله عندي بصحيح، بل الخلاف القائم من المدونة في ارتفاع الضمان عنه بقوله: قد كلته وإن لم تقم على ذلك بينة تدخل في جواز بيعه بذلك وبالله التوفيق.

.مسألة تحمل عن رجل بحمالة فقال المتحمل تحملت لك بألف درهم:

وقال في رجل تحمل عن رجل بحمالة، فقال المتحمل: تحملت لك بألف درهم، وقال صاحب الحق: لا بل بخمسمائة دينار. وصدق الغريم الذي عليه الحق صاحب الحق، قال ابن القاسم: يحلف الحميل أنه ما تحمل له إلا بألف درهم، فإذا حلف أخذ من الحميل الألف الدرهم التي أقر بها، فباع بدنانير، فإن بيعت بثلاثمائة دينار، اتبع صاحب الحق الذي عليه الحق بمائتين بقية الخمسمائة دينار، ويرجع الحميل على الغريم بثلاثمائة دينار ثمن دراهمه التي بيعت، فيشتري له بها دراهم، فإن بلغت الألف درهم فبسبيل ذلك، وإن زادت فالزيادة للغريم الذي عليه الحق، فإن نقصت حلف الذي عليه الحق للحميل، أنه ما تحمل عنه إلا بخمسمائة، فإن نكل حلف هذا الحميل وأخذ.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة فيها نظر، والذي يوجبه القياس فيها والنظر، أن يحلفا جميعا، يحلف الحميل ما تحمل إلا بألف درهم، ويحلف صاحب الحق أنه تحمل عنه بخمسمائة دينار، فإن حلفا جميعا أو نكلا جميعا عن اليمين، كان الجواب فيها على ما ذكر. إلا فيما قال في آخر المسألة: إن الذهب التي ابتيعت بالدراهم، إن نقصت عن الألف درهم، فنكل الذي عليه الحق عن اليمين، أنها تحمل عنه إلا بخمسمائة دينار، يحلف الحميل، ويأخذ، لا يحتاج إليه إذا حلفا جميعا؛ لأنه قد حلف مرة، فلا يلزمه أن يحلف ثانية، وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، كان القول قول الحالف منهما، إن صدقه الذي عليه الحق، وأما إن كذبه، فيحلف على ما أقر به، ويشتري به للحميل ما أدى، فإن كان في ذلك زيادة، رجعت الزيادة إليه، وإن كان فيه نقصان لم يلزمه أكثر من ذلك؛ لأن الدراهم إذا أخذت من الحميل، إنما تباع على ملكه، ومصيبتها منه إن تلف والأجر إن احتيج في تصديقها إلى أجر عليه، فلا يصلح أن يفعل هذا كله، إذا حلف أنه لم يتحمل عنه إلا بألف درهم، حتى يحلف صاحب الحق أنه ما تحمل عنه بخمسمائة دينار.

.مسألة تحمل له رجل بحمالة وقال تحملت لك بألف إردب قمح:

وقال في رجل تحمل له رجل بحمالة وقال: تحملت لك بألف إردب قمح، وقال صاحب الحق: لا بل الخمسمائة دينار. وقال الغريم الذي عليه الحق: إنما تحمل عني بألف درهم، قال ابن القاسم: يأخذ من الغريم ألف درهم، فيجعلها قضاء عن الحميل، فينظر كم ثمنها قمحا؟ وكم تبلغ من القمح؟ فإن بلغت مائة إردب، أخذ من الحميل تسعمائة إردب، تمام الألف إردب التي أقر بها، ثم يباع ذلك كله بدنانير فيوفي صاحب الحق الخمسمائة، قال: فإن نقص عن الخمسمائة دينار، لم يكن له على الحميل أكثر منها، وإن زادت على خمسمائة إردب ردت إلى الحميل.
قال محمد بن رشد: قوله: وإن نقصت عن خمسمائة، لم يكن له على الحميل أكثر منها، يريد: ولم يكن له ولا للحميل رجوع على الغريم المطلوب بشيء؛ لأنه إنما أقر بألف درهم، وقد غرمها، فهي مصيبة دخلت عليه، وسكت في هذه المسألة عن ذكر الأيمان ولابد منها؛ لأن من نقص منهم من حقه شيء، فله أن يحلف على من يدعي عليه، فوجه الحكم فيها أن يحلفوا كلهم، وحينئذ يكون ما قال، يحلف الغريم المطلوب الذي عليه الحق، أنه ليس عليه إلا ألف درهم، ويحلف الحميل أنه لم يتحمل إلا بألف إردب قمحا، ويحلف الطالب صاحب الحق أنه لم يتحمل له إلا بخمسمائة دينار، فإن حلفوا أو نكلوا، كان الحكم في ذلك على ما قاله في الرواية، وإن نكل الذي عليه الحق، وحلف الطالب والحميل، لزمه ما حلف عليه الطالب، وكان الحكم بين الطالب وبين الحميل على ما ذكره في الرواية، وإن نكل الطالب لم يكن له على المطلوب الغريم، إلا ما حلف عليه ولا على الغريم الحميل، إلا ما حلف عليه، وإن نكل الحميل لزمه ما حلف عليه الطالب، ولم يكن له أن يرجع على الذي عليه الحق، إلا بما حلف عليه. وبالله التوفيق. اللهم لطفك.

.مسألة يعطي الرجل دينارا في دينارين إلى شهر ويتحمل له رجل بالدينارين:

ومن كتاب العرية:
وسئل ابن القاسم عن الرجل يعطي الرجل دينارا في دينارين إلى شهر، ويتحمل له رجل بالدينارين، هل على الحميل شيء؟ قال: إن كان علم بمحلهما وحضره فعليه الدينار الذي أعطاه وإن كان لم يعلم، وإنما جاءه وقال: تحمل عني لهذا بدينارين إلى شهر، ولا يعلم عملهما، ثم علم، فلا شيء عليه؛ لأنه يقول: لو علمت لم أتحمل لك ولم أدخل في الحرام، قيل له: فإن كان أعطاه دينارا في دراهم إلى شهر، وتحمل له رجل بالدراهم، قال: هو مثله أيضا إن لم يعلم فلا شيء عليه، وإن كان علم، قيل له: أخرج الدراهم التي تحملت له بها، فاتبع له بها ديناره، واتبع أنت صاحبك بالدراهم، قيل له: فإن كانت الدراهم أكثر من ثمن الدينار، أو لا تبلغ ثمن الدينار، قال: أما إن كانت أكثر اشترى دينارا بما كان أقل من ثمن الدينار، اتبع له بها ما بلغت من أجزاء الدينار، واتبع هو صاحبه بما بقي له من ديناره، ويتبعه الحميل بالدراهم، قيل له: فلو أن رجلا كان له على رجل دينار، فحوله في زيت إلى شهر، وتحمل له رجل بذلك الزيت إلى شهر قال: هو مثله أيضا إن كان لم يعلم، فلا شيء عليه، وإن كان علم، خرج الزيت فيبيع له منه بدينار فقضاه ديناره واتبع هو صاحبه بالزيت. قال: وإن ناسا ليقولون، وهم أهل العراق، ينتقض ويسقط عن الحميل على كل حال، ولكن الذي يستحسن وآخذ به أن يكون عليه غرم الدينار، إذا علم؛ لأنه كأنه دخل في استهلاك شيء، فنحن نسقط عنه الحرام، ويغرم الذي دفع عنه صاحبه فقط.
قال الإمام القاضي: ظاهر قول ابن القاسم في رسم باع شاة بعد هذا: وكل حمالة كان أصل شرائها حراما، فليس على المتحمل مما تحمل شيء، مثل قول أهل العراق: إن الحمالة تبطل على كل حال، إذا كان أصل الشراء فاسدا ومثله في المدونة من قول ابن القاسم وروايته عن مالك وهو قول ابن عبد الحكم: إن الحمالة ساقطة، علم الحميل بفساد البيع أو لم يعلم، ومثله في كتاب ابن المواز. قال: وكل حوالة وقعت على أمر حرام بين المتبايعين، في أول أمرهما أو بعد، فهي ساقطة، ولا يلزم الحميل بها شيء، علم المتبايعان بحرام ذلك أو جهلاه، علم العميل بذلك أو جهله، قال محمود: إن حرامه للبائع فيه عقد وسبب، وهو قول أشهب: إن الحمالة بالحرام، وبالأمر الفاسد باطل، بخلاف الرهن؛ لأن الرهن يجعل رهنا بالأقل، ووجه هذا القول، أن الذي تحمل به الحميل، وهو الثمن، لما سقطت عن المتحمل عنه، لفساد البيع، سقط عن الحميل. وفي المسألة قول ثالث: إن الحمالة لازم على كل حال، علم الحميل بفساد البيع أو لم يعلم. وهو قول ابن القاسم في آخر هذا الرسم، وقول غير ابن القاسم في المدونة، وقول سحنون في نوازله بعد هذا من هذا الكتاب. ووجه هذا القول، أن الكفيل هو الذي أدخل المتحمل له، في دفع ماله للثقة به، فعليه الأقل من قيمة السلعة أو الثمن، للذي تحمل به. وهذا الاختلاف كله إنما هو إذا كانت الكفالة في أصل البيع الفاسد، وإن كانت بعد عقد البيع الفاسد، فهي ساقطة قولا واحدا.
هذا تحصيل الحكم في الكفالة في اللزوم، إذا وقع الفساد بين المتبايعين، وأما إذا وقع بين الكفيل وبينهما، أو بينه وبين الطالب منهما، أو بينه وبين المطلوب فيهما بعلم الطالب، فالكفالة ساقطة، فإن وقع الفساد بين الكفيل والمطلوب، بغير علم الطالب لزمت الحمالة، وقد مضى هذا المعنى في أول مسألة من الكتاب في الحمالة بالجعل. وبالله التوفيق.

.مسألة لزم رجلا بدنانير له عليه فقضاه رجل عنه فيها دراهم:

وعن رجل لزم رجلا بدنانير له عليه، فقضاه رجل عنه فيها دراهم، فما ترى على الغريم أن يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت له عليه والدراهم التي قضاها عنه؟ قال ابن القاسم: لا يجعل هذا أن يقضي رجل عن رجل دراهم، ويأخذ منه دنانير، وإن كان قال: اقضه دنانير فأعطاه فيها دراهم، فله دنانير، وإن كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه، فإنما يرجع أيضا عليه بدنانير، وعن رجل لزم رجلا فصالح من قمح، فقضى رجلا عنه ثمرا قال: هذا مثل الأول، فإن كان إنما أحاله على رجل بقمح يعطيه إياه، فأعطاه فيه ثمرا صالحه عليه، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر، وذلك إذا كان له من سلف، فإن كان من بيع باعه أو ابتاعه، فإن ذلك لا يحل، يأخذ فيه ثمرا إن كان من بيع أو ابتياع، فإن كان القمح سلفا فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان، وأمره أن يدفعه إليه، فإنما له ثمرا.
قال محمد بن رشد: سؤاله في أول هذه المسائل عمن قضى عن رجل بغير أمره دراهم عن دنانير لغريمه، هل يقضي من قضى عنه الدنانير التي كانت عليه أو الدراهم التي قضاها عنه؟ فلم يجبه على ذلك بجواب بين، إذ عدل في الجواب عما سأله عنه، إلى ما قاله من أنه لا يحل أن يقضي رجل عن رجل دراهم ويأخذ منه دنانير، والجواب البين في ذلك أن يرجع على الذي قضاه بما دفع إليه من الدراهم، وتبقى الدنانير عليه لصاحب الحق كما كانت؛ لأنه قضاء فاسد، ولا اختلاف في هذا عندي إذا قضاه بغير أمره، وإنما اختلف إذا أمره أن يقضي عنه دنانير لغريمه، فقضاه دراهم أو أمره أن يقضيه قمحا فقضاه ثمرا هل يرجع عليه بما أمره به من الدنانير والقمح بما دفع من الدراهم والثمر؟ فقال: إنه يرجع بما ابتاع من القمح والدنانير، ومرة جعله مصالحا عن الذي عليه الحق بما دفعه إلى غريمه عنه من الدراهم أو الثمر فقال: إنه يرجع بالدراهم أو الثمن الذي دفع، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه، يكون مخيرا في ذلك، وهو معنى قول مالك في كتاب المديان من المدونة؛ لأنه يربح في السلف، ولو بين، فقال:؟ أصارفك لنفسي في الذهب الذي لك بهذه الدراهم، وأنا أبتاع منك القمح الذي لك بهذا الثمر، لوجب أن يرجع بالدنانير وبالقمح قولا واحدا. وكذلك لو بين أيضا فقال: أنا أصالحك عن الذي عليه الدنانير والقمح، بهذه الدراهم، أو بهذا الثمر، لوجب أيضا أن يرجع بالدراهم والثمر قولا واحدا، إلا أن يشاء الآمر أن يدفع إليه ما كان عليه؛ لأن من حقه أن يقول: لا أرضى بهذا الصلح، إذ لم آمرك، فإنما يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى ما يحمل عليه الآمر عند الإبهام. ومن أهل النظر من ذهب إلى أن يجبر الآمر. قول ثالث في المسألة، وليس ذلك عندي بصحيح. وتحصيل الخلاف في المسألة في جواز القضاء فيها قولين، أحدهما: إنه لا يجوز، ويفسخ من أجل الخيار الذي للآمر، فلا يدري المأمور بما رجع، والثاني: إنه يجوز ولا يفسخ من أجل أنه خيار أوجبه الحكم، لم يدخلا عليه فلا تأثير له في صحة القضاء، فقوله في هذه الرواية ولو كان صالح صاحب الحق بدنانير يدفعها عنه، يريد: في دراهم عليه رجع عليه أيضا بدراهم صحيح، لا اختلاف فيه عندي لأنه قد بين أنه إنما دفع الدنانير عن الذي عليه الحق صلحا عنه فيما كان عليه من الدراهم، بخلاف المسألة التي قبلها، إذا قال له: اقضه عني دنانير، فأعطاه دراهم، تلك هي مسألة الخلاف، إذ لم يبين على أي وجه دفع الدنانير عن الدراهم؟، إن كان على وجه الصلح عن الآمر، وعلى وجه المصارفة لنفسه. وقوله فيمن لزم رجل بصاع من قمح، فقضى رجل عنه ثمرا إنها مثل الأول، يريد: إنها مثلها في أنه قضاء يجب فسخه على ما بيناه، من أجل أنه لم يأمر به. وقوله: فإن كان إنما أحاله على رجل بقمح يعطيه إياه فأعطاه فيه ثمرا صالحه عليه، فليس له أن يرجع عليه إلا بثمر، خلاف قوله في المسألة التي قبلها، وهي إذا قال اقضه عني دنانير فأعطاه بها دراهم، فله دنانير، إذ لا فرق بين أن يقضي دنانير عن دراهم، أو ثمرا عن قمح، إلا أن يفرق بينهما من أجل أنه في مسألة الدنانير مأمور لا حميل، وفي مسألة القمح حميل؛ لأنه لما أحاله عليه وهو لا دين عليه، كان حميلا. وقد فرق في المدونة في أحد أقاويله بين الحميل والمأمور، ووجه الفرق بينهما أن الحميل إنما تحمل على أن يؤدي إلى الطالب ماله على المطلوب ويتبعه بما أدى على أن يشتري ما للطالب على المطلوب، فيتبع به المطلوب، فوجب أن يحمل أمره عند الإبهام على ما علم من قصده أو لا. فيتحصل في المأمور والكفيل يدفع أحدها دنانير عن دراهم، أو دراهم عن دنانير، أو قمحا عن ثمر أو ثمرا عن قمح ثلاثة أقوال: أحدها: أن يرجع على المطلوب بما أدى إلى الطالب، إلا أن يأبى المطلوب أن يعطي إلا ما عليه، والثاني: أن يرجع عليه بما كان للطالب عليه. والثالث: الفرق بين الكفيل والمأمور، فيرجع الكفيل على المطلوب بما أدى إلى الطالب، ويرجع المأمور عليه بما كان للطالب عليه.
وقوله في الرواية: وإن كان القمح من بيع باعه أو ابتاعه فإن ذلك لا يحل أن يأخذ فيه ثمرا بين، لا إشكال فيه؛ لأنه، بيع الطعام قبل أن يستوفي. وأما قوله: فإن كان القمح سلفا، فصالحه على ثمر يسلفه من إنسان، وأمر أن يدفعه إليه، فإنما له ثمن، فلا اختلاف فيه؛ لأن المطلوب هو الصالح للطالب، المستسلف للثمر، فلا إشكال في أنه يرجع عليه بما أسلفه إياه من الثمر، ودفعه يأمره إلى الطالب، إلا أن الصلح لا يجوز، إلا أن يقبض التمر في الوقت ناجزا ولا يتأخر عن عقد الصلح. وقد قال ابن دحون فيها: إنه على قياس ما تقدم في الرجوع، يريد أنه يدخل فيها من الاختلاف في الربوع، ما دخل فيما تقدم. وليس ذلك بصحيح على ما بيناه. وبالله التوفيق.

.مسألة تحمل عن رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسدا وقد فاتت السلعة:

وسئل عن رجل تحمل عن رجل بثمن سلعة فوجد البيع فاسدا وقد فاتت السلعة، فرجع بها إلى القيمة، هل يلزم الحميل شيئا؟ قال: الحميل ضامن فيما بينه وبين أن تبلغ القيمة الثمن الذي تحمل به، فإن زادت القيمة على الذي تحمل له، يلزمه أكثر مما تحمل به.
قال محمدا بن رشد: هذه مسألة مضى الحكم عليها مستوفى في أول هذا الرسم، فلا معنى لإعادة شيء منه. وبالله التوفيق.

.مسألة يتحمل بعشرة دنانير فيدفعها الذي عليه الحق إلى الحامل ليدفعها ولم يشهد عليه:

ومن كتاب أوصى لمكاتبه:
وسئل ابن القاسم عن الرجل يتحمل عن الرجل بعشرة دنانير، فيدفعها الذي عليه الحق إلى الحامل، ليدفعها إلى صاحب الحق، بحضرة الذي عليه، وبعلمه، ولم يشهد عليه، ثم يجحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا. قال: على الذي كانت عليه أن يغرمها ثانية؛ لأن التقصير جاء من قبله، إذ لم يشهد على براءة منها حين دفعها الحميل، وإن كان بعلمه وبحضرته. قال: ولو كان الحميل دفعها ولم يشهد ولم يحضر الذي عليه الحق حين دفعها الحميل، كان لها ضامنا؛ لأنه هو أهلكها حين لم يشهد على دفعها. ولو أن الحميل دفعها من ماله نفسه، بحضرة الذي عليه الحق، ثم جحد الذي قبضها أن يكون قبض شيئا والذي عليه الحق يشهد أنه قد دفعها إليه أخذت من الذي عليه الحق، إن كان موسرا ولم يتبعه الحميل بشيء من العشرة التي دفع، وكانت مصيبة العشرة الأولى من الحميل، ولو كان الذي عليه الحق دفعها بحضرة الحميل، ولم يشهد، ثم جحد الذي قبضها، فإنها تؤخذ منه ثانية إن كان موسرا، أو إن كان معسرا أو غائبا فأخذت من الحميل، لم يرجع الحميل على الذي عليه الحق، بقليل ولا بكثير؛ لأنها مظلمة دخلت عليه. وهو يعلم أن الذي عليه الحق قد دفعها.
قال محمد بن رشد: قوله: إن الحميل إذا دفع العشرة إلى الطالب من مال المطلوب بحضرته دون إشهاد، فأنكر الطالب إنه لا ضمان في ذلك على الحميل الدافع؛ لأن التقصير كان من المطلوب الذي له المال إذا لم يشهد، بخلاف إذا كان الدفع بغير حضرته صحيحا، على معنى ما في كتاب القراض من المدونة من المقارض يدفع ثمن سلعة اشتراها إلى البائع بحضرة رب المال، فيجحد البائع الثمن، فلا ضمان على الدافع، وغرمها المطلوب ثانية، بعد عين الطالب الجاحد، فإن كان عديما أو غائبا فأخذت من الحميل ثانية، لم يرجع الحميل بها على المطلوب، لعلمه أنه لا شيء قبله، كما كان إذا دفعها المطلوب من ماله بحضرة الحميل، فجحدها الطالب، فأخذت من الحميل ثانيا لعدم المطلوب، ولقيمته إنه لا يرجع بها على المطلوب، لعلمه أنه قد أداها فلا شيء عليه منها، وهو على قياس رواية عيسى عن ابن القاسم في رسم استأذن من سماعه من كتاب الاستحقاق، في الذي يستحق من يديه العبد وهو يعلم أنه من تلاد البائع، إنه لا رجوع له عليه، فيدخله في الخلاف ما في تلك، حسبما مضى القول فيه هناك، وإن دفعه بغير حضرته، فهو ضامن لرب المال، ويسوغ له تضمينه، وإن علم أنه جحد أنه أتلفه عليه، إذ لم يشهد على دفعه. وأما إذا دفع الحميل العشرة من ماله إلى الطالب بحضرة المطلوب، ولم يشهد، فجحد القابض، فقال في هذه الرواية: إن مصيبة العشرة الدنانير من الحميل الدافع لها؛ لأنه هو أتلفه على نفسه، إذ لم يشهد على دفعها، فلا يرجع بها على المطلوب، وتؤخذ العشرة من المطلوب، فإن لم تؤخذ منه على قوله، وأخذت من الحميل ثانية، رجع بها على المطلوب. وقال في سماع أبي زيد: إنه إن أخذت من الحميل ثانية بحضرة المطلوب أيضا، رجع عليه بعشرين، فإن لم تؤخذ منه ثانية على قوله، وأخذت من المطلوب، رجع بالعشرة الأولى على المطلوب. والمعنى فيما ذهب إليه في رواية أبي زيد هذه، أنه رأى أن التقصير في ترك الإشهاد على الدفع، كان على المطلوب، إذا أداها بحميل عنه بحضرته إلى الطالب، فجحدها؛ لأن تلفها كان منه، بتضييعه الإشهاد، فوجب أن يرجع بها عليه. ورأى في رواية عيسى عنه، أن التقصير في ترك الإشهاد على الدافع، كان من الحميل؛ لأن المال ماله، لا من المطلوب الحاضر، فلم ير له بها عليه رجوعا من أجل أنه هو أتلفها على نفسه، وهو الأظهر؛ لأن المال ماله، فهو أحق بالإشهاد على دفعه من المطلوب، وإن كان حاضرا. فهذا معنى اختلاف قول ابن القاسم في هذه المسألة. وقد ذهب بعض الناس إلى أن رواية أبي زيد تأتي على قياس قول ابن وهب وأشهب في سماع عبد الملك بعد هذا، إلا أنه أرجع الحميل على المطلوب بما أدى عنه، وإن علم أنه لا يجب عليه شيء، من أجل أنه أدى عنه بعلمه ما تحمل به عنه بأمره، كما أرجع ابن وهب وأشهب، الحميل على صاحبه بما تحمل عنه بأمره، وإن علم أن ذلك لا يجب عليه، وأن رواية عيسى في هذه المسألة، تأتي على قياس روايته في رسم استأذن من سماع عيسى من كتاب الاستحقاق، في الذي يستحق العبد من يده، وهو يعلم أنه من بلاد البائع، إنه لا رجوع له عليه بشيء من الثمن الذي دفع إليه. وليس ذلك عندي بصحيح؛ لأن اختلاف قول ابن القاسم في رواية عيسى وأبي زيد عنه في هذه المسألة، إنما هو مبني على الاختلاف فيمن تعين عليه الإشهاد منهما، على الدافع، حسبما ذكرناه. وأما قول أشهب وابن وهب في سماع عبد الملك، فليس بمخالف لشيء من ذلك؛ لأنها مسألة أخرى لا يتصور إلا دخول الاختلاف فيها عندي. حسبما نبينه في موضعه إذا مررنا به. وبالله التوفيق.